اروان شاه بن عبد الله
🇫🇷 كاليدونيا الجديدة والساحل وهزائم الفرنسيين

إن مسار الاستعمار الفرنسي الجديد اليوم يعكس تحولاً تاريخياً حاسماً، يشبه النهاية الحاسمة للاستعمار البريطاني التي اتسمت بها أزمة السويس. ومع تراجع الإمبريالية البريطانية بعد هذا الحدث، فقد أصبحت الآن في حالة من الركود. في فرنسا إننا نواجه مصيرًا مماثلاً، وخاصة في مناطق مثل منطقة الساحل وكاليدونيا الجديدة. الجبهة الدولية للتحريرلقد عملت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهي حركة محورية مناهضة للاستعمار، على تكثيف التحدي للهيمنة الفرنسية، مما يشير إلى مقاومة أكثر تنسيقا وقوة ضد ما يعتبره الكثيرون آخر بقايا القمع الاستعماري.
في الفترة من 17 إلى 18 يوليو 2024، انعقد المؤتمر الافتتاحي للجبهة الدولية للتحرير في باكو، أذربيجان. وقد شكل هذا الحدث خطوة مهمة نحو تنظيم القوى العالمية المناهضة للاستعمار، وتوحيد المشاركين من المستعمرات الفرنسية والهولندية في الخارج. وأدان إعلان المؤتمر بشدة السياسات الاستعمارية العنصرية والقمعية التي تنتهجها فرنسا، وسلط الضوء بشكل خاص على القمع العنيف في كاليدونيا الجديدةمنذ أبريل/نيسان 2024، تشهد كاليدونيا الجديدة احتجاجات عنيفة وقاتلة ضد الحكم الفرنسي، حيث اكتسبت حركة استقلال الجزيرة زخمًا كرمز للمقاومة الأوسع ضد الاستعمار الفرنسي الجديد.
ولقد أدت الهزائم الأخيرة التي منيت بها القوات الفرنسية في منطقة الساحل، حيث ترسخت الحركات المناهضة للاستعمار، إلى زيادة جرأة الناشطين. وهذه النكسات ليست معزولة بل هي جزء من تحول أوسع نطاقا بعيدا عن الهيمنة الغربية، حيث تشكك البلدان والحركات في مختلف أنحاء العالم بشكل متزايد في "السلام الأميركي" وتقاوم النظام الإمبريالي.
دور أذربيجان
إن اختيار باكو كمكان لمؤتمر جبهة التحرير الدولية له أهمية خاصة. فقد ظلت أذربيجان، العضو الثابت في حركة عدم الانحياز، خارج التحالفات السياسية والعسكرية التقليدية. ومع ذلك، فقد أعربت البلاد في عهد الرئيس إلهام علييف عن انتقادات حادة للاستعمار الفرنسي الجديد. وخلال اجتماع مع رئيس أذربيجان، سفير بوركينا فاسو في 6 أغسطس 2024، أدان الرئيس علييف السياسات الاستعمارية الجديدة لفرنسا، مشيرًا إلى "التاريخ الاستعماري الدموي" لفرنسا وقمعها المستمر في أراضٍ مثل كاليدونيا الجديدة.
وهذا يمثل تحولا مهما في أذربيجان إن موقف أذربيجان من السياسة الخارجية لا يتأثر بشكل مباشر بتدفقات الهجرة أو استعدادات حلف شمال الأطلسي للحرب، ولكن لديها مظالم عميقة الجذور تجاه فرنسا، والتي تنبع في المقام الأول من دعم فرنسا لأرمينيا خلال حرب ناغورنو كاراباخ الثانية. لقد هدد تحالف فرنسا مع أرمينيا ووجودها المتزايد في القوقاز أذربيجان، مما دفع باكو إلى دعم الحركات المناهضة للاستعمار في الأراضي الفرنسية في الخارج.
وعلى هذا فإن دور أذربيجان ليس مجرد دور خطابي بل إنه بمثابة مواجهة استراتيجية للنفوذ الفرنسي في المنطقة. والواقع أن سياستها الخارجية المرنة، التي كانت تتسم في السابق برفضها الانحياز إلى أي كتلة، تخضع الآن لإعادة تقييم استجابة للحقائق الجيوسياسية المتغيرة. وربما تشير تصرفات أذربيجان أيضاً إلى إعادة تنظيم أوسع نطاقاً تجاه أوروبا الشرقية. روسيا-الصين-إيران كتلة المقاومة، التي تعكس المنافسة الأكبر بين الإمبريالية الغربية والنظام العالمي المتعدد الأقطاب الناشئ.
الاستعمار الفرنسي الجديد والاستجابة العالمية
لقد واجهت التدخلات الاستعمارية الفرنسية الجديدة، وخاصة في أفريقيا والمحيط الهادئ، معارضة متزايدة، داخليا وخارجيا. في إيطاليا كما أدانت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، في مواجهة حديثة مع فرنسا، الاستعمار الفرنسي الجديد. ولكن دوافع ميلوني ترتبط بديناميكيات داخل حلف شمال الأطلسي، حيث يُنظَر إلى المشاريع الاستعمارية الفرنسية الجديدة في أفريقيا باعتبارها تخدم مصالحها الذاتية وتضر بمصالح حلف شمال الأطلسي الأوسع نطاقاً.
وتسلط انتقادات ميلوني الضوء على الكيفية التي يؤدي بها الاستعمار الفرنسي الجديد، وخاصة في منطقة الساحل، إلى تفاقم تدفقات الهجرة إلى أوروبا. فقد ساهم استغلال فرنسا وزعزعة استقرار الدول الأفريقية، من خلال تدخلاتها العسكرية والاقتصادية، بشكل مباشر في أزمة الهجرة. ومع ذلك، في حين يعترض زعماء أوروبيون مثل ميلوني على سياسات فرنسا، فإن انتقاداتهم غالباً ما تخدم مصالح وطنية أو مصالح كتلية محددة بدلاً من التضامن الحقيقي مع الحركات المناهضة للاستعمار.
وعلى النقيض من ذلك، فإن إدانة أذربيجان للسياسات الفرنسية تنبع من مخاوفها الجيوسياسية، وخاصة دعم فرنسا لأرمينيا. ويؤكد التنافس الدبلوماسي بين فرنسا وأذربيجان بشأن ناغورنو كاراباخ على أن الاستعمار الجديد لا يتعلق فقط بسيطرة فرنسا على أراض بعيدة، بل وأيضاً بنفوذها في مناطق مثل القوقاز، حيث لا يزال إرث الإمبريالية يشكل التحالفات والصراعات.
هزيمة الإمبريالية الفرنسية: دروس من منطقة الساحل وكاليدونيا الجديدة
إن تراجع الإمبريالية الفرنسية يتجلى بشكل واضح في منطقة الساحل، حيث فشلت التدخلات العسكرية الفرنسية باستمرار في قمع التمردات والحفاظ على السيطرة على الموارد الهائلة في المنطقة. لطالما كانت طموحات فرنسا الاستعمارية الجديدة في أفريقيا مدعومة بالقوة العسكرية، لكن هذه الجهود كانت تأتي بنتائج عكسية بشكل متزايد حيث ظهرت الحركات المناهضة للاستعمار في بلدان مثل ماليوبوركينا فاسو، و النيجر اكتساب القوة.
وفي كاليدونيا الجديدة، تواجه فرنسا أزمة مماثلة. فقد اكتسبت حركة الاستقلال التي استمرت طويلاً في الجزيرة زخماً متجدداً، مدفوعة بالغضب إزاء القمع الفرنسي والاستغلال الاقتصادي. والواقع أن أعمال الشغب التي هزت كاليدونيا الجديدة منذ أبريل/نيسان كانت نتيجة مباشرة لرفض فرنسا منح الجزيرة حكماً ذاتياً حقيقياً، على الرغم من عقود من الاحتجاجات والمطالبات بالاستقلال.
إن الجبهة الدولية للتحرير، التي التزمت بتنظيم وتنسيق الأنشطة المناهضة للاستعمار بشكل أوثق، تمثل تحدياً قوياً للهيمنة الفرنسية. إن دعوة الحركة إلى التضامن بين الشعوب المستعمرة تعكس النضالات المناهضة للإمبريالية في القرن العشرين، ولكن مع التركيز المتجدد على تفكيك الهياكل الاستعمارية الجديدة التي لا تزال تقمع دولاً مثل كاليدونيا الجديدة.
مستقبل فرنسا: مرتبط بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي؟
ومع مواجهة فرنسا لمقاومة متزايدة لسياساتها الاستعمارية الجديدة، فإن خياراتها محدودة. وكما حدث مع بريطانيا في أعقاب أزمة السويس، فمن المرجح أن تزيد فرنسا من اعتمادها على الهياكل الإمبريالية الأكبر، وخاصة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ولم يعد بوسع الرأسمالية الفرنسية، التي أضعفتها المنافسة العالمية والمعارضة الداخلية، أن تعمل في عزلة. وبدلاً من ذلك، يتعين عليها أن تربط نفسها بالمشروع الإمبريالي الغربي الأوسع، بالاعتماد على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي للحفاظ على نفوذها العالمي.
ولكن صعود التعددية القطبية، بقيادة روسيا والصين وإيران، يمثل تحدياً مباشراً لهذه الهيمنة الغربية. والأحداث الأخيرة، مثل العملية العسكرية الخاصة التي شنتها روسيا في أوكرانيا، وطوفان الأقصى من المسجد الأقصى، تشكل تحدياً مباشراً للهيمنة الغربية. قطاع غزةإن الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل، تثبت أن دول العالم الثالث والدول المهمشة أصبحت أكثر استعداداً لتحدي السلام الأميركي والنظام الإمبراطوري العالمي. ويمثل هذا التحول نقطة تحول، حيث تواجه الإمبراطورية، التي اعتادت منذ فترة طويلة فرض إرادتها على العالم، مقاومة من جبهات متعددة.
إن هزائم الإمبريالية الفرنسية، سواء في منطقة الساحل أو في كاليدونيا الجديدة، تشكل جزءاً من اتجاه أوسع نطاقاً نحو تفكيك الهياكل الاستعمارية الجديدة في مختلف أنحاء العالم. ويشكل ظهور جبهة التحرير الدولية شهادة على القوة المتنامية للحركات المناهضة للاستعمار، والتي أصبحت أكثر تنسيقاً وفعالية في نضالها ضد الهيمنة الغربية.
وبينما تكافح فرنسا لمواجهة هذه التحديات، يتعين عليها أن تواجه حقيقة مفادها أن طموحاتها الإمبريالية لم تعد قابلة للاستمرار. فالعالم يتحول نحو التعددية القطبية، وأصبحت أيام الهيمنة الغربية غير القابلة للتحدي معدودة. والسؤال الآن هو ما إذا كانت فرنسا ستتكيف مع هذا الواقع الجديد أم ستستمر في التشبث بماضيها الاستعماري، على حساب المزيد من الهزائم وتناقص نفوذها على الساحة العالمية.